فصل: مَطْلَبٌ فِي مَعَانِي الْيَدِ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



{غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ} فيه قولان:
أحدهما: أنه قال ذلك إلزامًا لهم البخل على مطابقة الكلام، قاله الزجاج.
والثاني: أن معناه غلت أيديهم في جهنم على وجه الحقيقة، قاله الحسن.
{وَلُعِنُواْ بِمَا قَالُواْ} قال الكلبي: يعني يعذبهم بالجزية.
ويحتمل أن يكون لَعْنُهم هو طردهم حين أجلوا من ديارهم.
{بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ} فيه أربعة تأويلات:
أحدها: أن اليدين هاهنا النعمة من قولهم لفلان عندي يد أي نعمة، ومعناه بل نعمتاه مبسوطتان، نعمة الدين، ونعمة الدنيا.
والثاني: اليد هاهنا القوة كقوله تعالى: {أُولِي الأَيْدِي وَالأَبْصَارِ} [ص: 45] ومعناه بل قوتان بالثواب والعقاب.
والثالث: أن اليد هاهنا الملك من قولهم في مملوك الرجل هو: ملك يمينه، ومعناه ملك الدنيا والآخرة.
والرابع: أن التثنية للمبالغة في صفة النعمة كما تقول العرب لبيك وسعديك، وكقول الأعشى:
يداك يدا مجد فكف مفيدة ** وكف إذا ما ضنَّ بالزاد تنفق

{يُنفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ} يحتمل وجهين:
أحدهما: يمعنى أنه يعطي من يشاء من عباده إذا علم أن في إعطائه مصلحة دينه.
والثاني: ينعم على من يشاء بما يصلحة في دينه.
{ولَيزِيدَنَّ كَثِيرًا مِّنْهُم مَّا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ طُغْيَانًا وَكُفْرًا} يعني حسدهم إياه وعنادهم له.
{وَأَلْقَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ} فيه قولان:
أحدهما: أنه عنى اليهود بما حصل منهم من الخلاف.
والثاني: أنه أراد بين اليهود والنصارى في تباين قولهم في المسيح، قاله الحسن.
قوله تعالى: {وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُواْ التَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ} فيه تأويلان:
أحدهما: أقاموها نصب أعينهم حتى إذا نظروا ما فيها من أحكام الله تعالى وأوامره لم يزلوا.
والثاني: إن إقامتها العمل بما فيها من غير تحريف ولا تبديل.
ثم قال تعالى: {وَمَا أُنزِلَ إِلَيْهِم مِّن رَّبِّهِمْ} يعني القرآن لأنهم لما خوطبوا به صار منزلًا عليهم.
{لأَكَلُواْ مِن فَوْقِهِمْ وَمِن تَحْتِ أَرْجُلِهِم} فيه تأويلان:
أحدهما: أنه أراد التوسعة عليهم كما يقال هو في الخير من قرنه إلى قدمه.
والثاني: لأكلوا من فوقهم بإنزال المطر، ومن تحت أرجلهم بإنبات الثمر. قاله ابن عباس.
{مِّنْهُمْ أُمَّةٌ مُّقْتَصِدَةٌ} فيه تأويلان:
أحدهما: مقتصدة على أمر الله تعالى، قاله قتادة.
الثاني: عادلة، قاله الكلبي. اهـ.

.من فوائد ابن الجوزي في الآية:

قال رحمه الله:
قوله تعالى: {وقالت اليهود يدُ الله مغلولة} قال أبو صالح عن ابن عباس: نزلت في فنحاص اليهودي وأصحابه، قالوا: يد الله مغلولة.
وقال مقاتل: فنحاص وابن صلوبا، وعازر بن أبي عازر.
وفي سبب قولهم هذا ثلاثة أقوال:
أحدها: أن الله تعالى كان قد بسط لهم الرزق، فلما عصوا الله تعالى في أمر محمد صلى الله عليه وسلم وكفروا به كفَّ عنهم بعض ما كان بسط لهم، فقالوا: يد الله مغلولة، رواه أبو صالح عن ابن عباس، وبه قال عكرمة.
والثاني: أن الله تعالى استقرض منهم كما استقرض من هذه الأمة، فقالوا: إِن الله بخيل، ويده مغلولة فهو يستقرضنا، قاله قتادة.
والثالث: أن النصارى لما أعانوا بختنصر المجوسي على تخريب بيت المقدس، قالت اليهود: لو كان الله صحيحًا، لمنعنا منه، فيده مغلولة، ذكره قتادة أيضًا.
والمغلولة: الممسَكة المنقبضة.
وعن ماذا عَنوا أنها ممسكة، فيه قولان:
أحدهما: عن العطاء، قاله ابن عباس، وقتادة، والفراء، وابن قتيبة، والزجاج.
والثاني: ممسكة عن عذابنا، فلا يعذبنا إِلا تحلّة القسم بقدر عبادتنا العجل، قاله الحسن.
وفي قوله: {غلت أيديهم} ثلاثة أقوال:
أحدها: غلت في جهنم، قاله الحسن.
والثاني: أُمسكت عن الخير، قاله مقاتل.
والثالث: جُعِلوا بُخلاء، فهم أبخل قوم، قاله الزجاج.
قال ابن الأنباري: وهذا خبر أخبر الله تعالى به الخلق أن هذا قد نزل بهم، وموضعه نصب على معنى الحال.
تقديره: قالت اليهود هذا في حال حكم الله بغل أيديهم، ولعنته إِياهم، ويجوز أن يكون المعنى: فغلت أيديهم، ويجوز أن يكون دعاء، معناه: تعليم الله لنا كيف ندعو عليهم، كقوله: {تبّت يدا أبي لهب} [اللهب: 1] وقوله: {لتدخلن المسجد الحرام إِن شاء الله آمنين} [الفتح: 27].
وفي قوله: {ولعنوا بما قالوا} ثلاثة أقوال:
أحدها: أُبعدوا من رحمة الله.
والثاني: عذبوا في الدنيا بالجزية، وفي الآخرة بالنّار.
والثالث: مُسخوا قردة وخنازير.
وروى ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «من لعن شيئًا لم يكن للعنه أهلًا رجعت اللعنة على اليهود بلعنة الله إِياهم» قال الزجاج: وقد ذهب قومٌ إِلى أن معنى «يد الله»: نعمته، وهذا خطأ ينقضه {بل يداه مبسوطتان} فيكون المعنى على قولهم: نعمتاه، ونعم الله أكثر من أن تحصى.
والمراد بقوله: بل {يداه مبسوطتان}: أنه جواد ينفق كيف يشاء وإِلى نحو هذا ذهب ابن الأنباري.
قال ابن عباس: إِن شاء وسَّع في الرزق.
وإِن شاء قتَّر.
قوله تعالى: {وليزيدن كثيرًا منهم ما أُنزل إِليك من ربك طغيانًا وكفرًا}.
قال الزجاج: كلما أُنزل عليك شيء كفروا به، فيزيد كفرهم.
«والطغيان» هاهنا: الغلو في الكفر.
وقال مقاتل: وليزيدن بني النضير ما أُنزل إِليك من ربك من أمر الرجم والدّماء طغيانًا وكفرًا.
قوله تعالى: {وألقينا بينهم العداوة والبغضاء} فيمن عني بهذا قولان:
أحدهما: اليهود والنصارى، قاله ابن عباس، ومجاهد، ومقاتل.
فإن قيل: فأين ذكر النصارى؟ فالجواب: أنه قد تقدم في قوله: {لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء}.
والثاني: أنهم اليهود، قاله قتادة.
قوله تعالى: {كلما أوقدوا نارًا للحرب أطفأها الله} ذِكْر إِيقاد النار مَثَلٌ ضُربَ لاجتهادهم في المحاربة، وقيل: إِن الأصل في استعارة اسم النار للحرب أن القبيلة من العرب كانت إِذا أرادت حرب أُخرى أوقدت النار على رؤوس الجبال، والمواضع المرتفعة، ليعلم استعدادهم للحرب، فيتأهب من يريد إِعانتهم.
وقيل: كانوا إِذا تحالفوا على الجدِّ في حربهم، أوقدوا نارًا، وتحالفوا.
وفي معنى الآية قولان:
أحدهما: كلما جمعوا لحرب النبي صلى الله عليه وسلم فرّقهم الله.
والثاني: كلما مكروا مكرًا رده الله.
قوله تعالى: {ويسعون في الأرض فسادًا} فيه أربعة أقوال:
أحدها: بالمعاصي، قاله ابن عباس، ومقاتل.
والثاني: بمحو ذكر النبي صلى الله عليه وسلم من كتبهم ودفع الإِسلام، قاله الزجاج.
والثالث: بالكفر.
والرابع: بالظلم، ذكرهما الماوردي. اهـ.

.من فوائد الجصاص في الآية:

قال رحمه الله:
قَوْله تَعَالَى: {وَقَالَتْ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ}.
رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَقَتَادَةَ وَالضَّحَّاكِ أَنَّهُمْ وَصَفُوهُ بِالْبُخْلِ وَقَالُوا: هُوَ مَقْبُوضُ الْعَطَاءِ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إلَى عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ}.
وَقَالَ الْحَسَنُ: «قَالُوا هِيَ مَقْبُوضَةٌ عَنْ عِقَابِنَا».

.مَطْلَبٌ فِي مَعَانِي الْيَدِ:

وَالْيَدُ فِي اللُّغَةِ تَنْصَرِفُ عَلَى وُجُوهٍ: مِنْهَا الْجَارِحَةُ وَهِيَ مَعْرُوفَةٌ.
وَمِنْهَا النِّعْمَةُ، تَقُولُ: لِفُلَانٍ عِنْدِي يَدٌ أَشْكُرُهُ عَلَيْهَا، أَيْ نِعْمَةٌ وَمِنْهَا الْقُوَّةُ.
فَقوله: {أُولِي الْأَيْدِي} فَسَّرُوهُ بِأُولِي الْقُوَى؛ وَنَحْوُهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ: تَحَمَّلْت مِنْ ذَلْفَاءَ مَا لَيْسَ لِي بِهِ وَلَا لِلْجِبَالِ الرَّاسِيَاتِ يَدَانِ وَمِنْهَا الْمِلْكُ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ: {الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ} يَعْنِي يَمْلِكُهَا.
وَمِنْهَا الِاخْتِصَاصُ بِالْفِعْلِ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} أَيْ تَوَلَّيْت خَلْقَهُ.
وَمِنْهَا التَّصَرُّفُ، كَقَوْلِك: «هَذِهِ الدَّارُ فِي يَدِ فُلَانٍ» يَعْنِي التَّصَرُّفَ فِيهَا بِالسُّكْنَى أَوْ الْإِسْكَانِ وَنَحْوِ ذَلِكَ.
وَقِيلَ: إنَّهُ قَالَ تَعَالَى: {بَلْ يَدَاهُ} عَلَى وَجْهِ التَّثْنِيَةِ؛ لِأَنَّهُ أَرَادَ نِعْمَتَيْنِ: إحْدَاهُمَا نِعْمَةُ الدُّنْيَا، وَالْأُخْرَى نِعْمَةُ الدِّينِ.
وَالثَّانِي: قُوَّتَاهُ بِالثَّوَابِ وَالْعِقَابِ، عَلَى خِلَافِ قَوْلِ الْيَهُودِ، لِأَنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى عِقَابِنَا.
وَقِيلَ: إنَّ التَّثْنِيَةَ لِلْمُبَالَغَةِ فِي صِفَةِ النِّعْمَةِ، كَقَوْلِك: «لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ».
وَقِيلَ فِي قَوْله تَعَالَى: {غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ} يَعْنِي فِي جَهَنَّمَ؛ رُوِيَ عَنْ الْحَسَنِ قَوْله تَعَالَى: {كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَارًا لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ} فِيهِ إخْبَارٌ بِغَلَبَةِ الْمُسْلِمِينَ لِلْيَهُودِ الَّذِينَ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُمْ فِي قَوْلِهِ: {وَقَالَتْ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ}، وَفِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى صِحَّةِ نُبُوَّةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَنَّهُ أَخْبَرَ بِهِ عَنْ الْغَيْبِ مَعَ كَثْرَةِ الْيَهُودِ وَشِدَّةِ شَوْكَتِهِمْ؛ وَقَدْ كَانَ مَنْ حَوْلَ الْمَدِينَةِ مِنْهُمْ تُقَاوِمُ الْعَرَبَ فِي الْحُرُوبِ الَّتِي كَانَتْ تَكُونُ بَيْنَهُمْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، فَأَخْبَرَ اللَّهُ تَعَالَى فِي هَذِهِ الْآيَةِ بِظُهُورِ الْمُسْلِمِينَ عَلَيْهِمْ، فَكَانَ مُخْبَرُهُ عَلَى مَا أَخْبَرَ بِهِ، فَأَجْلَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَنِي قَيْنُقَاعَ وَبَنِي النَّضِيرِ وَقَتَلَ بَنِي قُرَيْظَةَ وَفَتَحَ خَيْبَرَ عَنْوَةً وَانْقَادَتْ لَهُ سَائِرُ الْيَهُودِ صَاغِرِينَ حَتَّى لَمْ تَبْقَ مِنْهُمْ فِئَةٌ تُقَاتِلُ الْمُسْلِمِينَ.
وَإِنَّمَا ذِكْرُ النَّارِ هَاهُنَا عِبَارَةٌ عَنْ الِاسْتِعْدَادِ لِلْحَرْبِ وَالتَّأَهُّبِ لَهَا، عَلَى مَذْهَبِ الْعَرَبِ فِي إطْلَاقِ اسْمِ النَّارِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ؛ وَمِنْهُ قَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَنَا بَرِيءٌ مِنْ كُلِّ مُسْلِمٍ مَعَ مُشْرِكٍ قِيلَ: لِمَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: لَا تَرَايَا نَارَاهُمَا»؛ وَإِنَّمَا عَنَى بِهَا نَارَ الْحَرْبِ، يَعْنِي أَنَّ حَرْبَ الْمُشْرِكِينَ لِلشَّيْطَانِ وَحَرْبَ الْمُسْلِمِينَ لِلَّهِ تَعَالَى فَلَا يَتَّفِقَانِ.
وَقِيلَ: إنَّ الْأَصْلَ فِي الْعِبَارَةِ بِاسْمِ النَّارِ عَنْ الْحَرْبِ، أَنَّ الْقَبِيلَةَ الْكَبِيرَةَ مِنْ الْعَرَبِ كَانَتْ إذَا أَرَادَتْ حَرْبَ أُخْرَى مِنْهَا أَوْقَدَتْ النِّيرَانَ عَلَى رُءُوسِ الْجِبَالِ وَالْمَوَاضِعِ الْمُرْتَفِعَةِ الَّتِي تَعُمُّ الْقَبِيلَةَ رُؤْيَتُهَا، فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُمْ قَدْ نُدِبُوا إلَى الِاسْتِعْدَادِ لِلْحَرْبِ وَالتَّأَهُّبِ لَهَا فَاسْتَعَدُّوا وَتَأَهَّبُوا، فَصَارَ اسْمُ النَّارِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ مُفِيدًا لِلتَّأَهُّبِ لِلْحَرْبِ.
وَقَدْ قِيلَ فِيهِ وَجْهٌ آخَرُ، وَهُوَ أَنَّ الْقَبَائِلَ كَانَتْ إذَا رَأَتْ التَّحَالُفَ عَلَى التَّنَاصُرِ عَلَى غَيْرِهِمْ وَالْجِدَّ فِي حَرْبِهِمْ وَقِتَالِهِمْ، أَوْقَدُوا نَارًا عَظِيمَةً ثُمَّ قَرُبُوا مِنْهَا وَتَحَالَفُوا بِحِرْمَانِ مَنَافِعِهَا إنْ هُمْ غَدَرُوا أَوْ نَكَلُوا عَنْ الْحَرْبِ؛ وَقَالَ الْأَعْشَى: وَأَوْقَدْت لِلْحَرْبِ نَارًا. اهـ.